لها جاره طرقت بابها ذات يوم وفرضت عليها ضيافه رغم انها كانت غير مستعده لهذه الضيافه كانت مشغولة بترتيب منزلها التي تسعد به دائما و ما يحمل من عبق الأيام وذكريات الأجداد ورائحة الأحباء المنبعثه من كل مكان واليوم بالذات كان لديها عمل هام هو جرد " السندارة " القديمة والتي تحمل اشياءاً كثيرة من الأجداد وجد الأجداد ولكنها إنشغلت عن جردها ..
وهاهي الجارة قد آتت وإنشغلت من جديد .. إنها جارة جديدة جاءت من مكان بعيد أتت مستأجرة ربما لقضاء شيئا ما ..ودخلت الجارة لتشرب القهوة و تتعرف عليها .. ونظرت الجارة إليها بتهكم وهى تشرب قهوتها ثم نظرت إلى بيتها وقد أبدت نظرة استياء
و قالت لها .. بيت قديم وكل شيء فيه قديم
قالت صاحبة البيت .. انه ميراثي من أجدادي وليس لي غيره .
وهنا وصفت الجارة لصاحبة البيت بيتها الجهنمي رغم انه مؤقت إلا انها كل يوم تغير أثاثه . كما انه كل شيء فيه يتحرك بالريموت كنترول .. وسحبتها الجارة شيئاً فشيئاً لتري بيتها الجهنمي و أثاثها الفاخر وزوجها الأنيق المترف وثيابها الفاخرة وبارها الممتلئ كريستال .. وادراجها الممتلئة جواهر وثلاجتها المكتظه بأجود أنواع الفاكهة وأشهى المأكولات .. وأشياء وأشياء عند الجارة وأجلستها الجارة وقدمت لها (نسكافيه) جديد بدل القهوة في ماجات جديدة على صينية من الذهب ..
وجلست صاحبة البيت تتفحص الجارة في ملابسها وطريقتها وتستمع إلى حديثها وهي تقنعها بأن بيتها قديم وأثاثها موضة وبطلت وملابسها لا تحمل اى مظاهر انوثه و طعامها قليل وزوجها مبهدل وأولادها محرومون لا يتمتعون كأطفالها .. ثم شربتها النسكافيه الذي سرى في دمها ثم صرفتها بلباقة .. لتدخل بيتها الذي كانت تراه جنة وكأنه خرابة.
ولما حضر الزوج لم يجد على و جهها الابتسامة بل وجد عبوسا ونقمة وقد رأت زوجها أيضا عتيقا من عهد نوح كما يقولون ولما ناولها أكياس الطعام.. قالت له وهى تعبث بها – ما هذا ؟
قال لها ! دجاجة بلدي صغيرة وأرز وخضر ونوع من الفاكهة وليمون للعصير..
قالت له والضجر باديا عليها انى علمت انه يوجد في الدنيا شيئاً اسمه دجاج كنتاكى وبرجر وبيفى و كاتشب ومسطردة ومايونيز وبودرة عصائر كل العصائر في اى وقت كما انى رأيت فاكهه الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف .
قال الزوج لها – " سلام قولا من رب رحيم " هذا لم اسمع عنة إلا في عهد زكريا ومريم عليهما السلام كلما دخل عليها المحراب وجد عندها أنواع الفواكه والطعام في اى وقت من العام فاى عصر نحن الذي تتحقق فيه هذه المعجزة
قالت له في ثورة ... في عصر الجارة .
أى جارة يا صاحبة البيت ..
قالت له – جارة مستأجره جاءت من مكان بعيد ..
قال الزوج – احمدي الله يا صاحبة البيت فماذا حدث لك لقد كنت دائما راضية ببيت أجدادك وقوتك القليل المبارك وعصير ليمونك الطبيعي وقهوتك التي تشربينها في الصبا ح و بعد العصر ..
قالت له - لا قهوة بعد اليوم – بل سأشرب نسكافية
ومضى الزوج و هو يقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم هذه جارة أم ريح صفارة . وكرهت صاحبة البيت الطعام القليل ذو الرائحة الطيبة وكرهت عصير الليمون الطبيعي وأهملت البيت الذي أصبحت تراه قديما والملابس التي أصبحت تراها مبهدلة والزوج الذي يرفض أن يكون حضاريا فهو لا يريد أن يدخن سيجاره ويكره عادات السهر ويشمئز من رائحة البيفى والبرجر ثارت صاحبة البيت وغضبت وأصبحت كل يوم تطرق باب الجارة لتشرب عندها النسكافيه وتأكل فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ثم أعطت لها الجارة فستانا مفتوحا على الموضة الوانه صارخة وزينتها كأساطير ألف ليله وليله على الموضة الجنيه ( شعر اخضر منكوش وأصباغ على العين وفي الوجه ) وقالت لها انتى ألان ساحرة كجنية البحر واهدتها زجاجه عطر صارخة وأعطت لأولادها أكياس من الشيبسى والكاراتيه وزجاجات بيبسي كولا .. واهدتها جينز لزوجها وبايب
فقالت لها صاحبة البيت – زوجي تقليدي قديم لا يقبل هذا
قالت لها – إن أبي عليك شربيه من هذه القنينة انه مشروب يفتح شهيته على عالم الجارة .
وأخذت صاحبة البيت قنينة أبو مرة ُ كما فعلها وقدمها لعمرو بن هشام (اباجهل) حملتها وهي جاهلة بهذه الدنيا الجديدة حملتها مع طعام للزوج برجر وبيفى و كنتاكى ثم عادت للبيت ولزوجها بثيابها الجديد وطعامها الجديد فأنزعج الزوج من بهرجة صاحبة البيت وكأنه رأى شبحا من أشباح العالم الخفي واختبئ وراء الستار وهو يقول .. يا (مه) انتى انس ولا جان .
قالت له - أنا صاحبة البيت
ـ اعطينى أمارة ..
قالت له عاهدتك ليله زواجنا والله شاهد علينا ألا أكذب وألا أخون وألا ألوث ماء النيل .
فخرج الزوج من وراء الستارة وقال لها – وما الذي حدث لك يا صاحبة البيت
قالت – حضارة وتقدم .. لابد أن تكون (فريى) و لكن يا صاحبة البيت ؟ في هذا الوقت أعدت له كوبا من العصير ووضعت فيه شيئا من القنينة وشربها الزوج ونسى كلماته واكل من الطعام ولبس من الملابس الموضة وفرح الأولاد بالشيبسى والكاراتيه والكولا .. وظلت الجارة تتردد علي صاحبة البيت كل يوم وتكرمها بالعطايا وتمدها بقنوات الدش وترسم لها الأحلام ثم تنقل لها شتيمة أم حنان صاحبة البيت في الدور الارضى ومعابة أم فاروق عليها وهى صاحبة الدور الثاني – وبغض أم جرجس لهم وهي صاحبة البيت في الدور الثالث .. وكرهت صاحبة البيت جيرانها من أصحاب البيوتات مثلها .. ثم ذات يوم انقطعت الجارة عنها ولم تعد تمدها بشئ .. ومر يوم و اثنان وصاحبة البيت تنتظر العطايا بلا جدوى وأصبح لاغني عن النسكافيه والبرجر والبيفى والكنتاكى وأنواع الفاكهة التي تأكلها في يوم واحد لأربع فصول العام .. وخرجت مضطرة بأن تطلب من جارتها التي أخجلتها بان ما لديها بالكاد يكفيها ويمكنها أن تقرضها لتشترى هي فلقد امتلئ السوق لمن يشترى ..
وتفاجأت صاحبة البيت أن معظم أصحاب البيوتات قد تعودوا مثلها على كل عادات وتقاليد وطعام الجارة .. ومع ذلك لم تبخل عليها الجارة الإعصارة بالقروض يوما بعد يوم وصاحبة البيت كل يوم تكره أم حنان وأم جرجس وأم فاروق .. وتعالت الأصوات بالشجار والمكائد ( خبط ورزع ) عراكات ومشاحنات والجارة الإعصارة تسمع المشاحنات والعراكات وتبتسم وتشرب من كأسها .. وتسللت الجارة الإعصارة إلى كل البيوتات لتقرضهم لشراء الجديد والمعاصر حتى ولو كانت تقاليع .. ثم جاء يوم وراحت صاحبة البيت تقترض من الجارة فلم تقرضها وطالبتها بسداد ما عليها من الديون .. فلم تجد صاحبة البيت إلا القليل معها لترده
فقالت لها الجارة بعد ما تعثر عليها السداد .. أرسلي لي أولادك يقضون لي حاجاتي تخفيفا لما عليك ولما طالت المدة قالت لها أرسلي لي زوجك .. فلما طال الأجل قالت لها – ارهني لي بيتك ..
فوقفت صاحبة البيت تفكر فلم يعد لديها سوى البيت الذى يأويها ثم قالت للجارة- أمهليني حتى أجد لك حجة البيت وكانت ليلة حالكة الظلام قضتها صاحبة البيت تتقلب في فراشها وقد فقدت زوجها وأولادها وطعامها وشرابها وقد بحثت عن الحجة في كل مكان فلم تجدها .. حتى غفلت عيناها وهيئ لها انها رأت شيخا مُسنا يتوكأ علي عصاه يذهب شبهه إلي جدها فقالت له بلا تردد :- كأنك جدي
قال :- اجل أنا جدك
الم ترحل يا جدي
قال :- نعم رحلت ولكن مازال اثري موجودا أنظري حولك الا ترين عبق الماضي في كل شئ .
ولماذا جئت يا جدي قال :- جئت أنقذ حجة البيت فلقد أخذت جارتك كل شئ مالك وأولادك وزوجك وخلفت لك ضغينه بينك وبين اهلك من أصحاب البيوتات فماذا بقى لكي لم يبقى سوى بيتك الذي يحمل تاريخك وماضيك ويصون بقيه أيامك في حاضرك ومستقبلك .. قولي لها لا - سنجوع يا جدي فلقد بارت الأرض وتسمم الزرع وتلوثت الياه فبيدها الطعام ..
قال :- قولي لها لا يا صاحبة البيت
ستقتل أولادي مرضا فلقد انتشر السرطان والوباء وهزلت الأجساد وكثرت الأمراض وبيدها الدواء تعطيه لنا بحساب .
قال :- قولي لها لا
- ستأخذ زوجي وستجهض جنيني وتهلك حرثي ونسلى .
قال :- قولي لها لا .. لا
ونهضت صاحبة البيت فزعة وهى تقول لالا .. بأعلى صوتها للجارة حجة البيت لا لن أراهن على البيت يا جارة فوجدت من الجارة الاعصارةغضبة شديدة أهاجت كل شيء ضيعت كل شيء زوجها وأولادها وجيرانها وأصحاب البيوتات فتحت الباب لتري أطفال قد دُمرو ذهنيا واهلكوا جسديا أكلوا سموما في سموما . هزلوا .. مرضوا .. وتسرطن الدم والأفكار عادوا أشباح وزوجها لم يعد حاضراً فلقد تاه في متاهة من هذه لتلك تعلم السكر وغابت النخوة وعل الجسد وتناول المهدئات والفيجرا ومرض الجسد والوجدان معاً وهرعت إلي الشارع لتكلم بناتها وغلمانها ولكنها لم تستطيع عندما وجدت ورقات بأيديهم تحمل كلمات الزواج العرفي وكلمات كثيرة مبهمة وأفكار وتغيرات فلقد هرمت البنات مبكرا وشاخت الغلمان ولما دخلت البيت هرولت إليها الجارات يشُدنها من كل جانب عركات مشاحنات وأصبح الكل ينهش في الكل فأسرعت إلي بيتها لتبحث عن عصاه تشج بها رأس الجارة الا عصارة التي اقتعلت كل شيء وبدات كالمجنونة تبحث عن عصاه جدها فهي من تراثها وميراثها وبلا وعي قفزت علي السندارة فاءذا بها تفاجئ .. فماذا كان فيها ؟
أخرجت قرآناً وكتاب تاريخ وبرديات من عهد قديم ولوحة تصويرية لمينا موحد القطرين ومخطوطات عن رسائل لصلاح الدين وقطز ووصية عمرو بن العاص لأهل مصر وتاريخا للأمم ووجدت شكمجيه وكيسا من القطن المصري الأصيل وزيت زيتون وشموع وعصي جدها وأدركت أن الدهاء والحيلة تغلب الضرب بالعصاة وقت التهور .. فتوكأت على عصى جدها ونفضت التراب عن محتويات السنداره واضأت الشموع وجلست تقرا الكتب و تتعلم وتتفحص المحتويات ونهضت بعد هذه الوعكة نسقت بيتها وأخذت قطعة من القطن وغمستها في الزيت وطلت أثاث البيت لتنزيل أثار الغبار وعطرت المكان فوجدت بيتها من جديد أجمل البيوتات ونسقت محتويات السنداره وأخذت شكمجيه الجدة وأخرجت جواهرها وباعتها لسد دين الجارة فدت البيت بالاقتناء وحب المال فاالبيت ابقي ولا شك ... !
ثم طرقت باب أم جرجس وأم حنان وأم فاروق وجمعتهم وجمعت زوجها وأولادها ليروا جميعا ما وجدته في السنداره وطهت لهم الدجاج البلدي والخضر وعصرت الليمون لينقي لهم دمائهم وأعدت مائدة مصرية ليأكل الكل وقالت الحمد لله مادمنا نعود إلي طبيعتنا .. فلماذا سهلنا الطريق للجارة وضعفنا ونقمنا على القليل الذي يحمل البركات وبدلناه بكثير يحمل إلينا النقمات .. وها نحن نعود إلي هدوء أنفسنا نجرب جميعا يوماً واحدا نعيش فيه مع بيئتنا القانعة واني لا ادعوكم ليوم كل عام أو كل شهر للعودة فيه إلي عادتنا القديمة لكي لا ننسى .. أجل لنختلى يوما بانفسنا بعيدا عن المدنية وهجوم التحضر في كل شيء يبعدنا عن الأصل ونحاول أن نأقلم أنفسنا يوما للجلوس علي الأرض وعلي فرش بسيطة ونشرب يوما مياه القلل ونأكل من زرع أيدينا كل ما هو طبيعي ونكلله بعادتنا الاصليه بلا تلوث سمعي أو بصري ونحاول أن نعيد زمن المصري الأصيل القديم والجديد نقرأ التاريخ ونستحضر الأمجاد ونتسامر مع السيرة العطرة لأبطال هذه الأمم .. نحاول أن نقول.. لا.. بشكل بسيط لكل من يجبرنا علي اللجوء للغير والخضوع له والتداين منه ولنتعامل مع واقعنا ومع أنفسنا لكى نصنع لنا حضارة تتوافق مع أمزجتنا وطبائعنا وشرائعنا ونتعلم كيف نتذوق طعامنا وكيف ننتقي ملابسنا ونحمي أذواقنا ونقف خلف رب هذا البيت نساعد صحابه أن يتصدى معنا فضعفنا نحن هو البداية فرب البيت يقود بنا مادمنا أقوياء لا حاجة لنا للغير .. ولما طرقت الجارة الباب ورأتنا متجمعين و أمامنا محتويات السندارة وقد عدنا انزعجت وتضألت فرددنا لها ما كان لها وقلت لها
إرحلى يا جاره
يا ريح صفارة
يا إعصاره يا غدارة
يا من كنتى لنا جارة